الأحد، 26 يوليو 2009

الدراسات التاريخية بين الآليات التقليدية وتكنولوجيا المعلومات

بقلم الاستاذ الدكتور احمد عبد الله الحسو



"منهج التاريخ الكمي بالأرقام هو ثورة في فهم التاريخ كله"**
فرانسوا فورييه



ليس من شك أن الدراسات الحديثة التي تناولت تاريخنا العربي والإسلامي قطعت شوطا كبيرا في الكشف عن المكانة الكبيرة التي يحتلها في التاريخ الإنساني ، وقد كان من أهم ما ساعد على ذلك، اعتمادها على أسس منهجية سليمة ، بيد أنها مع ذلك لم ترق إلى تقديم الصورة الأمثل والأقرب إلى الحقيقة التاريخية لأسباب لا يتحمل القائمون على هذه الدراسات وزرها ، وهي:
1- إن معظم هذه الدراسات استندت على ما هو متاح من المصادر التاريخية والتراثية المطبوعة، في حين أن ذلك لا يمثل إلا نسبة ضئيلة من الكم الكبير الذي لما يزل مخطوطا.
2 -إن كثيرا من المصادر المطبوعة المعتمدة ليست محققة تحقيقا علميا مما يجعلها بعيدة، بقدر أو بآخر، عن الشكل الحقيقي الذي كتبت به من قبل مؤلفيها، بل لقد ثبت أن بعض هؤلاء أقحمت أسماؤهم على كتب لم يؤلفوها كما هو الحال مع كتاب الحوادث الجامعة ، الذي نشر على انه لابن الفوطي المتوفى سنة 723 هـ م ثم نشر المحقق المرحوم الدكتور مصطفى جواد مقالا بعد سنوات من تاريخ نشره لهذا الكتاب أعلن فيه أن الكتاب لمؤرخ مجهول وانه لا يمت بصلة إلى ابن الفوطي (1 ) .
وقد أظهرت دراسة حديثة لكاتب هذه السطور أن جزءا كبيرا من كتاب : الذيل على مرآة الزمان لليونيني المتوفى سنة 726 ليس له ، بل هو لمؤرخ مجهول(2) ، بما يعنيه هذا من خلل في تقدير القيمة العلمية للكتب المنسوبة إلى غير أصحابها من حيث الدلالات المبنية على أساس الزمان والمكان اللذين ينتمي إليهما المؤلف الفعلي .
3 - ان زخما كبيرا من المعلومات عن تاريخ امتنا السياسي والحضاري الذي تعكسه مصادرنا التاريخية المطبوعة والمخطوطة ، جاء في كثير من الأحيان استطرادا عن الموضوع الرئيس ، أو جاء متناثرا في ثنايا موضوع ما ، وتبرز هذه الإشكالية بخاصة مع كتب الطبقات والتراجم والوفيات ، نظرا لان المعلومات فيها جاءت مرتبطة بالشخصيات المترجم لها , بعيدا عن علاقة المعلومة الواحدة بما يماثلها من معلومات وردت في تراجم أخرى في زمن سابق أو لاحق لها مما يشكل صعوبة بالغة في الإفادة منها بالشكل الأمثل إلا في حدود ضيقة ، وينطبق الإشكال ذاته على مصادر اللغة والأدب .

التقنية واليات البحث التاريخي

ليس من شك أن للعقبات ، انفة الذكر ، تأثيرا سلبيا يحول بين المؤرخين والوصول إلى الصورة الأكثر تكاملا والأقرب للحقيقة التاريخية .
وإذا كان لهذا ما يبرره فيما مضى ، فان هذا ، لم يعد مقبولا مع الثورة التقنية والإمكانات التي يوفرها الحاسوب من جهة وتوفر برامج إحصائية متطورة وفي مقدمتها البرنامج الخاص بالعلوم الاجتماعية
(Statistical package for social Sciences)، الذي يتقبل إجراء عمليات إحصائية تراكمية يمكن معها تحديد العلاقات الثنائية والمركبة بين معلومة وأخرى أو مجموعة معلومات غيرها مما له علاقة ما بها ، فقد وفر ذلك إمكانيات بحثية لم تكن متاحة من قبل .
وقد أطلق بعض الباحثين مصطلح ( التاريخ الكمي) أو ما يعبر عنه بالانكليزية
Quantitative History)) أو (التاريخ الجدولي النسقي) (3) للدلالة على (كافة أشكال الكتابات التاريخية التي يكون فيها التأكيد على قياس المعلومات الكمية وتحليلها) باستخدام الإمكانات المشار إليها آنفا ، بديلا عن الدراسات التاريخية
التقليدية ( 4 ).

إن النظر إلى التاريخ الكمي على انه بديل للمنهجية التاريخية المعتمدة في الدراسات المشار إليها لا يمكن قبوله لأنه – أي التاريخ الكمي - ، ليس إلا وسائل واليات منهجية فتحت أمام المؤرخين آفاقا واسعة لتطبيق القواعد المتفق عليها في منهج البحث التاريخي الاستردادي ، ولكن هذه الآفاق تمثل في الواقع ثورة في آليات هذا المنهج وفي توفير إمكانات كبيرة للاقتراب الدقيق من الحقيقة التاريخية والابتعاد عن الانتقاء في التعامل مع المصادر ومضامينها وتؤمن استنباطا دقيقا للمعلومات ودلالاتها سواء كانت ظاهرة أو باطنه ، جزئية أو كلية وكذلك معرفة مدى تأثيرها و تأثرها ببعضها ، مجتمعة أو منفردة ، وصولا إلى اقرب صورة للحقيقة التاريخية ، إضافة إلى أن هذه المنهجية توفر أرضية ملائمة تثري وتوسع الدراسات التقييمية لما يصدر من أعمال .
يدلل على ذلك أن دعاة التاريخ الكمي يرون أن مهمة المؤرخ تقتضي التعامل مع المادة التاريخية بشتى أشكالها تعاملا عدديا ضمن أطر إحصائية مبرمجة على الحاسوب ومن ثم استخراج النتائج وتحليلها ( 5 ) ، وهو أمر يقع في الصميم مما تفرضه قواعد منهج البحث التاريخي .

وقد كان المؤرخون الغربيون في فرنسا أول من أفاد من هذه الإمكانات فاستخدموا منذ النصف الأول من القرن الماضي سنة 1950م البرامج الإحصائية في دراساتهم ثم ظلوا يتابعون ما استجد من تقدم مطرد في هذا المجال وتمكنوا من احداث تحول نوعي في دراسات تاريخية قدموها عن صورة السكان في الماضي من حيث المواليد والوفيات والهجرة وحجم السكان وتركيبهم وتركيب الأسرة ، ومن ثم فقد عرف نهجهم هذا على انه ولادة لمدرسة جديدة في الديموغرافية التاريخية Historical Demography )) . ( 6 )
وقد تعمق هذا النهج في السنوات التالية وبخاصة بعد ان تأسست في انكلترا سنة 1964 جماعة كمبردج لتاريخ السكان والبناء الاجتماعي( 7) التي اعتمدت على" استخراج البيانات...عن كل فرد من أفراد الأسرة في مجتمع معين بدءا من ولادته، زواجه، أولاده، وفاته، ثم إجراء عملية ترتيب وفق تسلسل زمني وبصورة محددة لكل نوع من أنواع الأحداث : الزواج ، الإنجاب ، الوفاة ، حيث يتم فرز ذلك حسب الحروف الأبجدية ومن ثم يتم تجميعها حسب لقب العائلة ثم تكوين فروع وعناقيد بأسماء الأسر ووضع الأحداث المتعلقة بكل أسرة وفق تسلسل زمني " ثم يصار إلى " تحويل هذه المعلومات إلى صور أخرى تسمى صور إعادة تشكل الأسرة ".( 8 )

وقد عرف النصف الثاني من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين اتساعا في توجه المؤرخين الغربيين نحو استخدام الوسائل الكمية في
دراساتهم التي تركزت على التاريخ الأوربي والأمريكي ، دون أن تغيب موضوعات التاريخ الإسلامي عنها ، ومن ذلك الدراسات التالية :

1- دراسة جورج فايدا وجاكلين سوبليه
انصبت هذه الدراسة على تجريد عديد من كتب التراجم من خلال تحديد كمية و نوعية المعلومات التاريخية التي جردت من كل ترجمة في هذه المصادر ومن ثم إدخالها إلى جهاز الحاسوب بشكل سليم و استخراج المعلومات على شكل فهارس أبجدية أو تاريخية أو على شكل إحصائيات عامة أو جزئية ( 9 )

2- دراسات ريجارد دبليو بوليت ( Bulliet Richard W. )
اسهم الباحث في عدد من الدراسات التي اعتمد فيها الوسائل الكمية ومنها دراسة استخدمت الطرق الإحصائية فيها لدراسة تراجم رواة الحديث في مدينة نيسابور كما وردت في كتابي الحاكم النيسابوري ( ت 405 ) وعبد الغافر الفارسي ( ت 529 ه ) .
وقد تمكن الباحث من التوصل الى نتائج مهمةبصدد الحياة في هذه المدينة خلال القرون الخمسة الهجرية الاولى ( 10 ) ، كما أن للباحث كتابا تحت عنوان :
“Conversion to Islam in the Medieval Period: An Essay in
Quantitative History. "
صدر عن مطبعة جامعة هارفارد سنة 1979م . وقد استخدم في كتابه هذا وسائل التاريخ الكمي " وقد تحرى في دراسته معرفة التغير في الأسماء من غير الإسلامية إلى الأسماء الإسلامية في ست مناطق هي : مصر وإيران والعراق وتونس وسوريا واسبانيا واعتبر ذلك مؤشرا للتحول نحو الإسلام " ( 11). كما نشر دراسة موسعة بعنوان:
"A Quantitative Approach to Medieval Muslim Biographies دعا فيه إلى تطبيق الوسائل الكمية في دراسة مضامين كتب التراجم الإسلامية, وقدم مشروعا عمليا لتطبيق ذلك. ( 12 ) . وقد ترجمت الدراسة إلى العربية من قبل شاكر نصيف العبيدي تحت عنوان : "طريقة كمية لدراسة معاجم التراجم الإسلامية في العصور الوسطى " وصدرعن الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة سنة 1404 ه \ 1990م
كان لإسهامات المؤرخين الغربيين هذه ، أثرها بين المؤرخين والمفكرين
العرب ، حيث برزت دعوات لاعتماد الوسائل الكمية والإحصائية في الدراسات التاريخية والأدبية ، كما ظهرت دراسات جادة في هذا المجال وان كانت قد تأخرت ربع قرن عن التجربة الغربية ، لعل من أبرزها :

1- قيام الدكتور المنجي الكعبي بتجزئة جانب من المعلومات الواردة في كتاب :شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي ( ت 1089هـ) إلى رؤوس موضوعات وتحميلها على الحاسوب . وقد جاء هذا العمل ثمرة تدريب تلقاه الباحث على مجموعة من العلماء الفرنسيين ثم جراء عمله مع فريق تعاون دولي إبان تحضيره لرسالة الدكتوراه في باريس سنة 1970م ، وقد عرض نتائج دراسته التي جعلها تحـت عنوان " أداة عمل جديدة للبحـث التاريخـي " ضمـن أشغال المؤتمر الأول لتاريخ المغرب العربي وحضارته الذي انعقد في تونس سنة 1974م (13) .

2- قيام كاتب هذه السطور سنة 1974م بتجزئة المعلومات الواردة في مائة ترجمة اختيرت من كتاب : الضوء اللامع لأهل القرن التاسع لشمس الدين محمد ابن عبد الرحمن السخاوي ( ت 902هـ ) إلى رؤوس موضوعات وقد قام الدكتور محمد زكي رئيس قسم الحاسوب بجامعة الموصل ببرمجتها على الحاسوب ثـم عرضت النتائج في محاضرة ألقيت في المركز الثقافي في جامعة الموصل بالعراق سنة 1947م ، كما عرضت ضمن أشغال المؤتمر الأول لتاريخ المغرب العربي وحضارته في السنة ذاتها ، وقد كان الهدف من هذه المحـاولـة إثارة الأذهان إلـى أهمية المنهج الإحصائي واستخدام الحاسوب في الدراسات التاريخية.


3- كما طبق هذا النهج أيضا من قبل الكاتب نفسه ، في عدد من البحوث التي نشرها في موسوعة الموصل الحضارية سنة 1992م ومنها بحثه عن الواقع الحضاري لمدينة الموصل في عهد السيطرة المغولية الايلخانية( 660 -736 )،
وقد وضح من النتائج التي تم التوصل إليها في هذه البحوث الأهمية البالغة لاستخدام الوسائل الإحصائية والحاسوب، فقد جاءت النتائج متناقضة مع بعض المسلمات التاريخية ومصوبة لها ( 14 ) وهو ما أكدته نتائج دراسة مماثلة أجراها هاني الرفوع عن الحياة الثقافية والعلمية في بغداد في عهد الدولة الايلخانية أي خلال العصور ذاتها ( 15) .

4- دعوة عبد الله العروي لدراسة المؤلفات الأدبية دراسة كمية ( عددية) ، مستندا في ذلك إلى ما يلي :

أولا : إن " كل عمل أدبي مكون من مفردات تتوزع إلى أنواع مختلفة : أعلام بشرية ومكانية ، أسماء قبائل وبطون ، مفاهيم مجردة ، حروف نحوية ، مصطلحات، الخ ) ".

ثانيا : " بالرجوع إلى عدد كبير من النصوص ( الطبقات، الرحلات ، دواوين الشعر الخ ) نستطيع أن نستنبط جداول عددية ، وهذا عمل داخلي في نطاق التوثيق الجديد الذي يستبدل الوثائق الوصفية التقليدية بأخرى قابلة للنومرة .

ثالثا : أن المصادر التقليدية تبدي أمورا وتخفي أمورا أخرى،لا تبدي مثلا للقارئ العادي تغير الأسماء والكنى والألقاب .... نلحظ من حين لآخر هذه التغيرات ولكن يبقى ذلك على مستوى الحدس والتخمين ."

رابعا: "عندما تفرغ كل المعلومات المضمنة في مجموع المصادر المتوافرة في الحاسوب فيبدو التطور واضحا على جميع مراحله وبكل تفاصيله (وهو) ما كان مخفيا من الروايات المتناثرة وكان محكوما عليه أن يبقى كذلك لولا قدرة الإحصاء على إظهار اتجاه التطور. " ( 16 )


3- اعتماد الدكتور سيار الجميل وسائل البحث الكمي ، ضمن المنهجية التي اتبعها في كتابه القيم :( المجايلة التاريخية , فلسفة التكوين التاريخي , نظرة رؤيوية في المعرفة العربية الإسلامية ) الذي أصدره سنة 1999م وقد اشار في كتابه هذا إلى أن تطبيق المنهج الكمي يتلازم مع الإدراك المعمق للعلوم " الاقتصادية والرياضية- الحسابية والإحصائية والسوسيولوجية.. " وكذلك " القدرة في التحكم والرسم والسيطرة والجدولة وتوصيف الرموز والإعداد ..." وأوضح مدى الخطورة في تجاوز الشروط اللازمة فقال : " وليس باستطاعة الباحث الشروع بالتحليل القياسي وتوظيف المنهج الكمي قبل أن يرسم خطته ومنهجه على ضوء الأفكار التي يستنبطها ، ثم يبدأ تغذية الحاسب الالكتروني بالمعلومات والتوثيقات والأسماء والرموز والأرقام ، وبكيفية فعالة ومنسقة " .
وقد اعتبر الدكتور الجميل أن التاريخ الكمي يمثل حاجة ماسة على الصعيدين العربي والإسلامي ، ذلك " أن المنهجية الجدولية والتواريخ الكمية والتحليلات القياسية مع الرسوم البيانية ستحول العلوم التاريخية من حيز التخمين الضيق إلى مجال الاستدلال الواسع" ( 17 )

4- دعوة الدكتور مصطفى زايد المتخصص في الإحصاء والتي تضمنها كتاب صدر له سنة 2000م تحت عنوان : "التاريخ الكمي , مع تطبيقات في التاريخ الإسلامي " ، وقد جاء فيه قوله : " إن الأساليب الكمية أصبحت ضرورة للمؤرخ ...ذلك أن لغة الكم أصبحت هي لغة العرض والنشر في كافة مصادر المعلومات ، كما أن الأساليب الكمية لازمة للباحث التاريخي في كل مراحل بحثه ؛ في مرحلة التخطيط للبحث وفي مرحلة جمع البيانات ، ووصفه لها ، والتعميم ، والتقييم ، واختبارات الفروض..." .

والواقع أن الباحث لم يظهر تحمسا لتطبيق الأساليب الكمية في الدراسات التاريخية فحسب ، بل ساهم في عرض عدد من النماذج الكمية الرائدة وبينها إسهاماته في الكتاب انف الذكـر وفي كتـب أخرى ، بينها كتابـاه عن " الإحصاء والتاريخ الإسلامي " و "الإحصاء والبحث التاريخي " اللـذين صـدرا سنـة 1997م إضافة إلي إسهامات أخرى. ( 18 )


تجربة قسم التاريخ بجامعة مؤتة

تم في قسم التاريخ بجامعة مؤتة بالمملكة الاردنية الهاشمية اعتماد المنهج الإحصائي وتقنيات الحاسوب في دراستين للماجستير أولاهما دراسة هاني الرفوع عن" الحياة الثقافية والعلمية في بغداد في عهد الدولة الايلخانية" ( 19 ) والثانية دراسة حمود مضعان عن "ابن الفوطي , مؤرخا " ( 20 ) ، بيد ان التجربة الاوسع في هذا النهج والاكثر تكاملا كان مع الرسالة التي قدمتها سوسن الفاخري تحت عنوان : " تراجم مقدسية من كتاب الضوء اللامع لاهل القرن التاسع ..." والتي نالت بها درجة الدكتوراه سنة 2008 م . فقد طبقت قواعد المنهج الكمي في تجزئة كل مضامين نصوص التراجم المقدسية ثم قامت بتحليلها مستعينة بالحاسب الالي وببرنامجي ( اكسل ) و برنامج الإحصاء الخاص بالعلوم الاجتماعية المعروف ب ( spss ) .(21 )

انصبت هذه الدراسة على ثلاثمائة وتسعين ترجمة لشخصيات مقدسية هي التي تضمنها كتاب " الضوء اللامع لآهل القرن التاسع " لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي ( ت 902هـ ) ، وقد اظهر تحليل ما أفرزته الإحصائيات الخاصة بمضامين هذه التراجم نتائج في غاية الأهمية عن الحياة في مدينة القدس خلال القرن التاسع الهجري الخامس عشر الميلادي.

ليس من شك أن هذه الإسهامات و الدعوات إلى تطبيق الوسائل الكمية والإحصائية واستخدام التقنية في دراسة تاريخ وحضارة امتنا العربية والإسلامية تعكس جهودا تستحق التقدير ، بيد أن من الصحة بمكان القول إنها ليست إلا مبادرات فردية لم تجد بعد لها صدى في دوائر وأقسام التاريخ في الجامعات العربية والإسلامية وبخاصة في خطط الدراسات الأولية والعليا كما أنها ما تزال غائبة عن المعنيين بدراسة التاريخ إلا في الحدود التي أشير إليها آنفا .

إن غياب النهج الكمي والوسائل التقنية والإحصائية في تعاملنا مع النصوص التراثية وفي دراساتنا التاريخية والأدبية وفي ادبياتنا الفهرسية ، يعني غيابا لجوانب كثيرة من الحقيقة التاريخية ، فإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أننا امة تعيش تاريخها ، وتقيم كثيرا من جوانب حياتنا الحاضرة والمستقبلية على أسس وقيم تاريخية ، أدركنا كم هو حجم الأمية التاريخية التي نعانيها .

إن دراسة التاريخ والبحث عن الحقيقة وإيصالها إلى الأمة على الصعيدين الأكاديمي والثقافي بموجب قواعد منهج البحث التاريخي، والذي يقع المنهج الكمي الإحصائي في صميمه، هي من أولى الضرورات العلمية والوطنية والقومية التي لا يمكن للأمة أن تنهض دونها .

في التاريخ الحق ، نكتشف الذات ، ونحدد الهوية ، ونشخص الخطأ ، ونقيم تجربة الحاضر ، ونكون اقدر على تحديد حركتنا نحو المستقبل فهل نحن فاعلون ?
_______________________________

الهوامش

(1 ) انظر مقدمة المحقق المرحوم الدكتور مصطفى جواد لكتاب : الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المئة السابعة ، المنسوب لابن الفوطي ، مطبعة الفرات ، بغداد 1351هـ ؛ وقد تم تحقيقه ثانية من قبل الدكتور بشار عواد والدكتور عماد عبد السلام.
( 2) احمد الحسو ، اشكاليات تراثية ، قيد النشر ؛ وانظر، اليونيني ، ذيل مرآة الزمان ، ط.1 ، مطبعة جلس دائرة المعارف العثمانية ، حيدرأباد 1374 ه / 1954 م.

** نقلا عن عبد الله العروي ، مفهوم التاريخ , الألفاظ والمذاهب ، ج1, ط 2, بيروت – الدار البيضاء ، المركزالثقافي العربي ، ص 631 .

( 3 ) ) سيار الجميل,المجايلة التاريخية ,فلسفة التكوين التاريخي , نظرة رؤيوية في المعرفة العربية الإسلامية ، منشورات الأهلية للنشر والتوزيع ، عمان 1990 ، ص 58.

( 4 ) مصطفى زايد ، التاريخ الكمي مع تطبيقات في التاريخ الإسلامي ، د. ط .القاهرة 2000م ، ص60-61
( 5 ) المرجع نفسه ، ص 60 .

( 6 ) باركلو ، جفري ، الاتجاهات العامة في الأبحاث التاريخية ، ترجمة المرحوم الدكتور صالح احمد العلي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت 1984، ص 133 ؛ مصطفى زايد ، مرجع سابق ص 52-53)

( 7 ) المرجع نفسه ، ص ، 53

(8 )المرجع نفسه ، ص ، 53 بتصرف اقتضاه السياق .

( 9) المنجي الكعبي ، المرجع السابق ، ص ، 47
(10 ) نشر هذا البحث في : " Journal of the Economic and Social History of the Orient , XIII .vol.11. (1970)
( 11 ) مصطفى زايد , المرجع السابق , ص 1
(12) نشر هذا البحث في :
"Journal of the Economic and Social History of the Orient XIII (1970) pp. 195-211

(13) المنجي الكعبي ، " أداة عمل جديدة للبحث التاريخي" ، أشغال المؤتمر الأول لتاريخ المغرب العربي وحضارته ، سلسلة لدراسات التاريخية، المطبعة العصرية ، تونس 1979م

( 14 ) موسوعة الموصل الحضارة ، المجلد الثاني ، دار الكتب للطباعة والنشر ، جامعة لموصل ,
ص 234-249 .
( 15) هاني الرفوع ، الحياة العلمية والثقافية في بغداد في العصر الايلخاني ، رسالة ماجستير غير منشورة بإشراف الدكتور احمد الحسو ، قسم التاريخ ، جامعة مؤتة 1441 ه \ 2000 م.
( 16 ) سيار الجميل ، المرجع السابق ، ص ، 65.

( 17) المرجع نفسه ، ص 57-58

( 18) عن إسهامات الدكتور مصطفى زايد ، انظر كتابه : التاريخ الكمي... ، ص 163-249
( 19) هاني الرفوع ,الحياة العلمية والثقافية في بغداد في العصر الايلخاني المغولي ( 656- 736 ه ) ، اطروحة ماجستير غير منشورة , قسم التاريخ ، جامعة مؤتة , أجيزت سنة 2000 م ، بإشراف الدكتور احمد عبد الله الحسو .

( 20 ) حمود مضعان , ابن الفوطي مؤرخا , أطروحة ماجستير غير منشورة قسم التاريخ ,جامعة مؤتة ، أجيزت سنة 2005 م بإشراف الدكتور احمد عبد الله الحسو .


(21) سوسن الفاخري , تراجم مقدسية من كتاب الضوء اللامع لأهل القرن التاسع- تحقيق وتحليل- , أطروحة دكتوراه غير منشورة ، قسم التاريخ ،جامعة مؤتة اجيزت سنة 2008 م . بإشراف الدكتور احمد عبد الله الحسو
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق